وما من سبيل إلى الفهم السديد لهذا الفارق إلا بوقفة تأملية تزاوج بين النص وروحه، بين ما قرره قانون العقوبات المصري وبين ما أراده المشرِّع من حكمة العقوبة وغايتها.


أولاً: الحبس – عقوبة الجُنح وأدنى مراتب الحرمان

الحبس، كما عرّفه القانون المصري، هو عقوبة سالبة للحرية، تُوقع على مرتكبي الجنح. وقد ورد تعريفه ضمن المادة 18 من قانون العقوبات المصري:

“الحبس هو وضع المحكوم عليه في أحد السجون العمومية المدة المحكوم بها عليه.”

تتراوح مدته، بحسب القانون، بين 24 ساعة إلى 3 سنوات، وقد تمتد إلى 5 سنوات في بعض الحالات الخاصة إذا نص القانون على ذلك صراحة.

في هذا المقام، الحبس ليس غاية في ذاته، بل وسيلة لتقويم الفعل وتقويم الفاعل. وغالبًا ما يُراعى فيه ظروف المتهم ومقامه الاجتماعي. فكثيرًا ما نقرأ في الأحكام عبارة “الحبس مع إيقاف التنفيذ”، دلالة على أن القانون لم يرد من الحبس إذلال الجسد، بل ردع النفس.


ثانيًا: السجن – عقوبة الجنايات وجسامة الفعل

أما السجن، فهو العقوبة الأشد، والتي تقع على مرتكبي الجنايات – وهي، في ميزان القانون، الجرائم ذات الخطورة الكبرى، كالقتل، والسرقة بالإكراه، وتجارة المخدرات.

وقد نصت المادة 16 من قانون العقوبات على أن:

“السجن هو وضع المحكوم عليه في أحد السجون العمومية، وتشغيله داخل السجن أو خارجه في الأعمال التي تعينها الحكومة، مدة تتراوح بين ثلاث سنوات إلى خمس عشرة سنة، ما لم ينص القانون على خلاف ذلك.”

وإذا نظرنا في المادة 17 نجد أن المحكمة يجوز لها أن تنزل بالسجن إلى الحبس إذا رأت في ذلك وجهًا للرحمة:

“يجوز في مواد الجنايات إذا اقتضت أحوال الجريمة المقامة الدعوى من أجلها رأفة القضاة، أن يُبدّل حكم السجن المؤبد أو المشدد بعقوبة أقل.”


ثالثًا: المقارنة الأكاديمية – معيار التفرقة

في مقارنة قانونية صرفة، يمكننا أن نجمل الفرق بين العقوبتين في الجدول الآتي:

وجه المقارنةالحبسالسجن
نوع الجريمةالجنحالجنايات
المدةمن يوم إلى 3 سنوات (وقد تمتد إلى 5)من 3 إلى 15 سنة (أو مؤبد)
تشغيل المحكوم عليهغير إلزاميإلزامي في أشغال الدولة
قابلية الإيقافغالبًا ممكن مع وقف التنفيذنادرًا ما يُوقف التنفيذ
الفئة الخاضعة لهمرتكبو الجرائم البسيطة أو الأقل خطرًامرتكبو الجرائم الجسيمة

بين الفعل ورد الفعل في ميزان العدالة

إن الفرق بين الحبس والسجن ليس في القضبان فحسب، بل في الفعل المرتكب، والدلالة الأخلاقية، والغرض من العقوبة. وكما قال العقاد: “ما من فعل يُقوَّم إلا بنيّة، وما من نية تُوزن إلا بعدل.”

فإن الحبس إصلاح، والسجن ردع، وكلاهما يُقاس بميزان الحكمة القانونية لا بالعاطفة العامة.

بقلم عبدالحليم الجندي